A Letter from Baghdad

A Letter from Baghdad

by Jaseem Al-Ali

The Letters Page, Vol. 5 comes to you as a collection of translated letters written by authors based in UNESCO Cities of Literature who are, like Nottingham, celebrating ten years of their City of Literature status. We have contributions from Barcelona and Baghdad, from Lviv and Ljubljana, and from many other locations across the globe. Space constraints prevented us from publishing the original, untranslated letters as part of our craft-bound book, so instead we present them here in digital form for your perusal.


This letter was written by Jaseem Al-Ali and translated in our print edition by Sadek Mohammad. Like many of the letters in our collection, it considers the inherent contradictions of our contemporary times, and begins by drawing an unusual equivalence between a city and a person. – Arwyn Clayton & Naomi Adam

عزيزي جون, 

لا يمكنُ للشجرةِ أن تنموَ دون جذورٍ، وإن كانت هوائيةً، وهكذا حالُ المدنِ والأشخاصِ؛ فالجميعُ لهم جذورٌ. أكتبُ إليكَ من مدينتي بغداد، وهي تنهضُ من رمادِ الحروبِ لتواصلَ دورَها الحضاريَّ والإنسانيَّ في بناءِ الحياةِ الآمنةِ، و إنتاج الثقافةِ وصنع الجمالِ، في تحريكٍ لمعنى التوافقِ بين الأشياءِ بالحنينِ الأصيلِ المغروسِ في أعماقِ موروثات جذورِها ، واستكشاف لعالمٍ مليءٍ بالدهشةِ واللقاءِ غير المألوفِ، يصفُ الحكايات والمروياتِ بشفافيةٍ لا نُمسكُ بها، بل نُحسُّها بكثيرِ من اللهفةِ وبعضِ الصمتِ، فتدخلُ دهاليزَنا السريةَ، و تخترقُ الحُجبَ وتفككُ طلاسمَ الأسرارِ. 

بغدادُ مدوَّنةٌ، مدادُها الوفاءُ والمحبةُ والمعرفةُ والجمالُ، هي دومًا تبعثُ رسائلَها للتاريخِ، منذُ الحرفِ الأولِ الذي خطته على الرقمِ الطينيةِ واختراعِ العجلةِ وحتى ألفِ ليلةٍ وليلةٍ. هو التجوالُ في التاريخِ وابتكارُ إشراقةِ القدرِ القادمِ، رغمَ كلِّ فصولِ المأساة التي مرَّ بها العراقيونَ وسردياتِ الليالي الموجعةِ. 

فالمكانُ يا صديقي هو الظاهرةُ الوحيدةُ التي لم تتأثرْ بقانونِ الجاذبيةِ؛ فكلما استقرَّ الإنسانُ، أخذَ المكانُ الهويةَ. لأنَّ المكانَ حجارةٌ صمّاءُ، لكنه حينَ يسكنُهُ الإنسانُ يأخذُ الروحَ والهويةَ. يُقالُ: عندما تتحدثُ عن المكانِ ضعِ الخارطةَ أمامكَ؛ لأنها تُخبرنا الكثيرَ، ففيها الجغرافيا، و طبائعُ الأشياءِ، و الإمكاناتُ، و نشوءُ المجتمعاتِ، و نفوسُ الناسِ وقدراتهم الجمعية، ونقاط الاشتعالِ. و كلُّها محركاتٌ لبناءِ الحضاراتِ التي هي صيرورةٌ متحركةٌ تتغيرُ في نقاطِ الاشتعالِ. ونقاطُ الاشتعالِ بينَ الأممِ غيرُ مناطقِ الانتقالِ الحضاريِّ التي هي أطولُ أمدًا منها، وإعادةُ بناءِ تخيلِها التاريخيِّ؛ لأنَّ موازينَ القوى لا تحابي أحدًا. هي سننٌ موجودةٌ في الأرضِ، و في الأنفسِ، و موجودةٌ في الجغرافيا والتاريخِ والمجتمعاتِ التي تشكلُ رؤيتَنا الإنسانيةَ. 

صديقي جون، ما يجمعُنا مناطقُ كثيرةٌ وخطوطٌ ونقاطُ التقاءٍ، فيها الجمالُ والثقافةُ والأدبُ بأجناسهِ، والفنونُ بأشكالِها وألوانِها، و كلُّها هويتُها إنسانيةٌ عابرةٌ للحدود بخطابِها الكونيِّ الذي يجمعُنا. هذا الخطابُ الذي يكلمُ تويجاتِ الأزهارِ و يطوف حولَ الذاتِ و يقدس الآخرِ، و يعي الدور خارجَ نمطيةِ الحياةِ برؤى كونية ترتكزُ على الإنسانيةِ و في ممارسةٍ حرةٍ مشتركةٍ و تأملٍ عميق في الكونِ ومصيرِ الآخرِ. نعم، هي الحريةُ التي عجزَ عنها القيدُ كيفما كانَ وفي كلِّ زمانٍ، و التي أخذت على عاتقِها معارضةَ تاريخِ اضطهاد الإنسان لتمكنه من ابتكار قوانينَ بديلةً تُعيدُهُ إنسانًا خلاقا متمردًا قادرًا على صنع البدائلِ. هكذا هي أرواحُنا ترسمُ أبعادَها في الديمومةِ والتغييرِ؛ لأنَّ من المستحيلِ إدراكُ الحدثِ ما لم ينشأْ ارتقاءٌ. فالحدثُ في الطبيعةِ يتكررُ، و شكلُ البذرةِ لن يكون حدثًا ما لم تكتمل صورة الشجرةِ، واكتمالُ صورةِ الشجرةِ لن تكون حدثًا ما لم يستعاد إنتاجُ الثمارِ. هذا هو قانون التحولُ الطبيعيُّ، الذي ينبغي فهمه كي يتحول إلى حدث إنساني. وهذا ما يُفسرُ تنوعَ الموجوداتِ واختلافَها، كما يقولُ ديكارت. وها نحنُ نتحركُ في فضاءاتِ الجمالِ والجدلِ الوجوديِّ، نكتبُ الشعرَ والروايةَ، ونتوقفُ أمامَ لوحةٍ تشكيليةٍ وقطعةِ نحتٍ، و نقف على أصابعِ أقدامِنا أمامَ قطعةٍ موسيقيةٍ تحملُنا لأكثرَ من مكانٍ، لنتحررَ من قيودِنا الأرضيةِ. نصفقُ لهاملتَ وعطيلَ وروميو وجولييت في المسرحِ ، ونغرقُ في عتمةِ الشاشةِ الفضيةِ ومدارسِها وأسرارِ الفرحِ فيها. هكذا تمضي أيامُنا بما يجعلُ للزمنِ معنى، ونتواصلُ مع الآخرِ في رؤاهُ وتأويلاتِهِ من خلالِ إبداعِهِ. 

في مدينتي الكثيرُ من الفعالياتِ الإبداعيةِ على مدارِ الأيامِ والأسابيعِ والشهورِ والسنواتِ. كنتُ عائدًا قبلَ كتابتي لهذهِ الرسالةِ من ورشةٍ لكتابةِ الروايةِ والقصةِ القصيرةِ في أحدِ المنتدياتِ، لأعودَ لإكمالِ قراءةِ كتابِ “أنفاسِ الأرضِ: مختارات من الشعر العالمي الحديث والمعاصر” للشاعر والمترجمِ العراقيِّ أ.د. صادق رحمة محمد، وأتهيأ للمشاركةِ في الأسبوعِ القادمِ في جلسةٍ شعريةٍ في بغدادَ مدينةِ الإبداعِ الأدبيِّ، ومتابعةِ برنامجِ الاحتفالِ بمرورِ عامٍ على إطلاقِ مشروعِ “قصائد للطريق”، إلى جانبِ مشاريعَ أخرى. مشروعُ “قصائد للطريق” قدمَ الشعرَ خارجَ الأشكالِ التقليديةِ. العملُ في المدينةِ فتحَ أكثرَ من أفقٍ للتطويرِ ومتابعةِ المدنِ الإبداعيةِ الأخرى، هذه هي كونيةُ الخطابِ الإبداعيِّ المعرفيِّ. 

عزيزي جون، الخاتمةُ والابتداءُ يلتصقانِ حينَ يلتقيانِ في مكانٍ واحدٍ ووحدةٍ زمنيةٍ واحدةٍ. أقولُ: متى نلتقي مثل شاعرينِ في عالمٍ يملؤُهُ السلامُ والمحبةُ؟ أنا أحبُّ مساءاتِ ونهاراتِ وشوارعِ مدينتي بغداد، وأتمنى لها السلامَ، مثلما أتمنى لكلِّ مدنِ العالمِ أن تعيشَ بسلامٍ، كما أتمنى لكَ ولمدينتِكَ نوتينغهام الرائعةِ الجميلةِ كلَّ خيرٍ وسلامٍ ومحبةٍ. فأنْ أكونَ في بغداد هو شهادةٌ على أنني أعي الأشياءَ من حولي، وأحبُّ الجمالَ والإبداعَ في المدنِ التي نتابعُها. أكيدٌ، المدنُ الإبداعيةُ مدنٌ حيةٌ، والمدنُ الحيةُ هي التي تُنتجُ الإبداعَ والسلامَ، وتُنتجُ أيضًا شعوبًا رائعةً. لكَ وللأصدقاءِ والزملاء في نوتنغهام وردٌ وحبٌّ لا ينتهي. 

قُبلة 

الحبُّ لم يبدأْ بعدُ 

بيدَ أنَّ الحروبَ لم تنته 

كأحلام معلقة بأفواه الرصاص 

 تعالي أُقبِّلُكِ 

 وسطَ الزحامِ، 

 وسطَ الركامِ، 

على وحشةِ أنقاضِ الحروب. 

جاسم العلي 

شاعر ومدير منصة شعر في بغداد مدينة الإبداع الأدبي-اليونسكو 


The Letters Page, Vol. 5, which features the English-language translation of the above letter, alongside eight others and an introduction by Jon McGregor, is now available to purchase here.

Featured image credit: Pexels.com

Leave a comment